الأحد، 22 ديسمبر 2013

الكتب التاريخية, أهميتها و حقيقة مصادرها

للكتب التاريخية تأثير جميل على القارئ. فمنها نستلم المعلومة من كل المصادر الموثوقة و أيضاً إليها نتجه إذا كنا نحتاج للنصيحة. فالتاريخ هو عبارة عن تدوين للماضي و تطبيق للحاضر كونه نتيجة الماضي, و أخيراً, معلم المستقبل لأننا نقرأ التاريخ و نستخرج منه الدروس التي نتعلم منها و نبني عليها مستقبلنا. بإختصار شديد, تأثير هذه الكتب التاريخية مهم جداً و القارئ أو المثقف يدرك أهميتها لدرجة تصل إلى ولعه بهذه الكتب. نريد و بشتى الطرق معرفة ما فعله أجدادنا و في بعض الأحيان نبحر في عوالم و حضارات الدول الأخرى. معرفة و إدراك الماضي أمر مهم للإنسان و من خلال هذه الكتب التاريخية, نجد فيها كل ما نريد.
و من هنا, و مع هذا الإداراك الشامل بأهمية الكتب التاريخية, نضع حملاً كبيراً على هذه النوعية من الكتب. فعكس الرواية التي يستطيع الكاتب كتابة ما يريد و جعل السماء خضراء كالأرض, الكتب التاريخية يجب عليها إتباع قوانين صارمة تقلل من جوانبها. الكتاب التاريخية يجب أن تدون التاريخ بكل مصداقية و من دون لفق أو تحريف. طبعاً نعلم تمام العلم بأن هذه الحقيقة لا تنطبق على كل الكتب التاريخية و لكنها المحطة الأولى التي يجب على المؤرخ زيارتها. كتابة الحقيقة أشبه بالرابط الأولي ما بين القارئ و المؤرخ. الصلة التي سـ يبني عليها القارئ مصداقية الكتاب الذي بين يديه. و لهذا نرى أغلب المؤرخين يستخدمون مصادر عديدة لتوضيح و تثبيت حقيقة بسيطة, الخوف من نقل الوهم على أنه حقيقة, أمر يمر به كتاب الكتب التاريخية بإستمرار.
لكننا و بعد دراسة هذه المصادر و الرجوع إليها, هل فكرنا و لو للحظة بصدق هذه المصادر. التاريخ نوعاً ما ثابت و الأحداث التي حدثت في الماضي نوعاً ما ثابته. هذه الأمور تعلمناها و صدقناها, و لكن هل من الممكن أن تكون هذه الحقائق المُسَلمة, وهمية و عبارة عن أداة إستخدمها الطرف الفائز لتغطية جانب لم يكن يريد أن يدونه للتاريخ. فهناك مقولة مشهورة جداً لرئيس الوزراء البريطاني السابق, وينستون تشرتشل قال بأن: "التاريخ يكتبه المنتصر". عندما نقف قليلاً و نفكر جيداً بهذه المقولة, ندرك بأن في كل الأحوال و في كل الأزمنة, التدوين الذي وصل إلينا, كتبه الطرف المنتصر في أي معركة أو فترة زمنية مهمة. بمعنى أخر, التاريخ الذي كنا نعتقد بأنه المصدر الموثوق الحقيقي للماضي, قد يكون تدوين طرف واحد للقصة. تدوين في أغلب الأوقات لن يكون محايداً بل سـ يفرض معتقدات و أفكار صاحبه. و من هنا و من بعد هذه الفكرة, أتى ما يسمى بتنقيح الأحداث التاريخية أو كما أطلق عليها المؤرخون الإنجليز
Revisionist History
و هي عبارة توضح الهدف المنشود لهذه الفكرة. تنقيح كامل و شامل للتاريخ. طبعاً لم يقوم أحد بتنقيح التاريخ كله, كون هذه العملية شبه مستحيلة. و لكن البعض أتى بأهم الأحداث التاريخية أو الأحداث التي أثارت شك البعض كونها تصب في مصحلة طرف و تصور الطرف الأخر بالضحية المهزومة.
أبسط و أسهل مثال نذكره هو التنقيح الكامل الذي أقدم عليه الكُتاب الأمريكيين لتاريخ السكان الأصليين للقارة الأمريكية الشمالية. فمع بداية هذه المرحلة المهمة جداً في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية, نرى العديد من المؤرخين في بداية قيام هذه الولايات, يكتبون الأحداث بكل تمييز و عدم حيادية. السكان الأصليين كانوا يقتلون بالملايين و كل ما كان يكًتب عنهم كان عن وحشيتهم و عدم حضارتهم بالرغم من معرفة الجميع بأن هذه القبائل التي كانت تسكن هناك منذ فترة طويلة كان لديهم حضارة طويلة و قوية جداً. و لكن الكتب التاريخية في ذاك الوقت المبكر للولايات المتحدة الأمريكية, كانت تصورهم على أنهم وحوش لا يمكن أن يتحضروا أو ان ينهضوا بأنفسهم. كل هذا تغير عندما قرر العديد من الكُتاب الأمريكان تعديل التاريخ و البحث عن الحقيقة السليمة التي تبين و بشكل واضح و مفصل حياة السكان الأصليين بكل حيادية و من دون التطرق للأفكار الخيالية التي كان يعتقدها البعض عنهم.
البحث عن الحقيقة أمر صعب جداً خصوصاً و بعد أن تدرك حقيقة وجود التاريخ المنقح. هل كل ما نقرأ عنه فعلاً حدث, أو هو عبارة عن الصورة الوهمية التي أراد بها المنتصر أن يعطيك إياها لكي يغطي أموراً عديدة لا يريدك أن تعرفها. الحل بنظري, يكمن بقراءة كتب الأطراف المشاركة كلها. و من خلال هذه العملية نستطيع و لو بدرجة بسيطة معرفة ما حدث و ما قاله كل طرف عن الحدث نفسه. و من هنا تبدأ عملية المقارنة بين كل هذه الأقوال و محاولتنا الأبدية لفهم السبب وراء هذه الأحداث لكي نصل للدرس الحقيقي الذي سـ نتعلمه من الماضي.
و شكراً,
هاشم الصغيــــــر
22/12/2013
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق