الثلاثاء، 7 يناير 2014

كل قارئ, كاتب. و كل كاتب, قارئ!

كل كاتب, قارئ. و لكن ليس كل قارئ كاتب.
مقولة لم تعجبني أبداً, لأنها و بكل بساطة غير صحيحة. على الأقل من وجهة نظري الشخصية. القراءة ليس فقط تتعلق بالكتابة بل هي المفتاح الذي يحتاجه كل قارئ و يستخدمه كل كاتب. القارئ عندما ينتهي من قراءة كتاب أو حتى رواية, ستكون المعلومات الموجودة في كتابه هذا محفوظة عند القارئ المتمكن. محفوظة و جاهزة للإستهلاك الشخصي. فالقارئ عندما يقرأ كتاب تاريخي أو حتى كتاب يتكلم عن موضوع معين, ستكون هذه المعلومات جاهزة لكي يترجمها القارئ في حياته اليومية أو حتى في وظيفته القادمة و هي الكتابة. في حالة الروايات, القارئ سيتعلم من الشخصيات المطروحة أمامه كل التجارب و العبر التي واجهتها هذه الشخصيات. و كأنها معلومات حياتية واقعية بشكل قصة خيالية أتت من خيال الكاتب. و من هنا ندرك حقيقة القراءة الفعلية, و كونها أكثر و أكبر من مجرد متعة أدبية تقضي بها وقتك. القراءة هي عبارة عن درس حياتي مهم. في الكتب التاريخية يدرك القارئ أهمية الماضي و في الروايات يتعلم القارئ أموراً تتخطى مرحلة المعلومات البسيطة و الجافة, في الرواية يتعلم القارئ لذة التاريخ و ما شعروا به السابقون. القراءة, لنقل و بشكل مختصر, نقاش تاريخي أدبي رائع ما بين الكاتب الذي بجعبته الكثير ليقدمه و بين القارئ الذي سلم قلبه قبل عقله للكاتب لكي يستلم منه الكثير.
و من هنا و بعد إدراكنا لـ أهمية القرءة و ما تستطيع فعله, هل سنستطيع الإجابة على سؤال موضوعنا الحالي؟ هل كل قارئ, كاتب؟
طبعاً و قبل الدخول في معمعة الإجابة, يجب علينا أن نوضح أمراً أشبه بالحقيقة الواضحة. الجميع يتفق على أن الكاتب هو القارئ الذي تخطى مرحلة القراءة, بمعنى أخر, كل كاتب قارئ. هذه النقطة يتفق عليها أغلب المثقفين. فالكتابة تحتاج لشخص قارئ مدرك للمراحل الأدبية التي مر بها القارئ.
و بعد توضيح هذه الحقيقة, نستطيع الأن الدخول في سؤالنا اليوم.
هل كل قارئ, كاتب؟ برأي الشخصي, نعم!
عملية التخزين التي يقوم بها القارئ بعد الإنتهاء من كل كتاب هي عبارة عن إضافة لمادة كتابية جديدة له. عندما نقرأ يأتينا ذاك الإلهام الأدبي الذي أتى للكاتب. ندرك ما عانى منه و ما توصل إليه من خلال كلماته و الجمل التي إستخدمها. و لأن القراءة عبارة عن دخول القارئ لعقل الكاتب, فهذه العملية سـ تنقح القلم الكتابي للقارئ. عندما نقرأ رواية رائعة كتبت بدقة حادة, نقوم بإضافتها لقلمنا الكتابي, ليس تقليداً لما أتى و لكننا نأخذ الوسيلة و الطريقة و لا نأخذ النتيجة. لن يكرر القارئ ما كتبه الكاتب, و لكنه سيدرك الطريقة التي وصلت الكاتب إلى ما هو عليه. نستطيع أن نسمي هذه العملية, بإستعارة العادات الكتابية. القارئ سـ يستعير عادات الكاتب و طريقته بالكتابة, ليس أسلوبه و لكن إلهامه و الطريقة الأدبية التي إستخدمها. يجب التنويه بأن هذه الإستعارة الأدبية لن تكون كاملة و واضحة. لأن القارئ سـ يستعير الجزء الذي فضله من الكاتب. و بعدها سيقوم برسم لوحته الأدبية الخاصة به, البعيدة كل البعد عن ما فعله الكاتب. لوحة ستكون شخصية للقارئ كونها فقط رسمت بالطريقة الأدبية المتعارف عليها و لكن النتيجة ستكون غير بكل تأكيد.
و لهذا و في نظري, يجب علينا قراءة الكتب و الروايات الكلاسيكية لما تحتوي من طرق أدبية رائعة ساهمت في بناء عصور أدبية رائعة. فالقارئ عندما يقرأ للكاتب الإسطورة تشالز ديكينز, سـ يفهم طريقة سرد القصة, و من خلال هذا السرد الجميل, سـ يتعلم كيف يكتب قصته الخاصة به. كما ذكرنا سابقاً, عبارة عن إستعارة للطريقة الأدبية و لكن النتيجة و القصة تختلف كل الإختلاف عن مصدرها.
مثال رائع على هذه العملية, أخذ الطرق الأدبية للكاتب الأمريكي المشهور إرنست هامجواي. الكاتب نفسه قال في أكثر من مقابلة, بأن طريقته الأدبية هي عبارة عن إختصار الجمل و وضع الكلمات الكفيلة بتصوير المشهد من دون زيادة أو نقصان. هذه الطريقة سميت بإسمه و تدرس في كل المدارس الأدبية في العالم. يجب على القارئ الأخذ بهذه الطريقة و كتابة قصته الخاصة بأحداثها المختلفة عن قصص هامجواي. فالتقليد أمر لا يغفر له من الناحية الأدبية. نحن كقراء نحتاج القصة المميزة المكتوبة بطريقة أدبية تقليدية.
طبعاً, كلامي هذا لا يعني بأنني ضد التغيير الأدبي و البحث عن الطرق الأدبية الجديدة. لا طبعاً. و لكن برأي الشخصي, أفضل طريقة لدخول القارئ عالم الكتابة هو عن طريقة سرد قصته الشخصية بإستخدام الطرق الأدبية التقليدية. كنوع من دخول العالم فقط. لأنه و بعد كتابة أكثر من كتاب أو قصة خاصة به, سيدرك قلمه الشخصي و حينها فقط يستطيع بناء طريقته الأدبية الخاصة به.
نعم, كل قارئ كاتب. ليس بالضرورة, و لكن القلم الأدبي موجود دوماً بعقل و قلب القارئ, فقط يحتاج أن يجلس و يكتب و يرى ما بداخل ذلك العقل الأدبي.
شكراً,
هاشم الصغيــــر
7/1/2014


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق