السبت، 11 يناير 2014

العادات القرائية

نحن كمجتمع, نضع لكل الأمور عادات نعتاد عليها و نتبعها بكل الأوقات. عادات قد تغلق خيالنا و تطورنا و لكن في بعض الأحيان, عادات تفتح لنا أبواب الإبداع و التميز. فهي عبارة عن قوانين غير مكتوبة و أحياناً لا نحتاج لذكرها لكي نطبقها, و لكنها قوانين تثبت حياتنا. و من هذه العادات هي العادات الأدبية التي يستعين بها القارئ. كلنا قراء و لكن لكل منا طريقته القرائية الخاصة. و هذه الطريقة الخاصة هي العادة التي تمحور حياتك القرائية حولها و تستعين بها مع كل فترة أدبية قرائية تمر بها. ليس هناك طريقة أو عادة أدبية صحيحة, لأن لكل منا طريقته الخاصة التي و إن ساهمت بتطوير لياقته القرائية, فهي تعتبر الطريقة القرائية الصحيحة.
طريقتي القرائية هي كالتالي: الخطوة الأولى تكون دائماً مع عملية إختيار الكتاب الذي سـ تقرأه. هذه العملية هي الأصعب بالنسبة لي, لأن لدي مكتبة كبيرة و الإختيار ما بين كل الكتب يستغرق وقت. و لكنه وقت أمضيه بسعادة لأنني أريد قراءة كل الكتب التي لدي و لهذا إختيار الكتاب الذي يتوافق مع مزاجي الحالي قد يستغرق وقتاً أطول و لكنها مرحلة تستحق كل هذا العناء لأن قراءة الكتاب المناسب في الوقت المناسب أمر مهم و مثمر. طبعاً هناك قاعدة قد تثبت هذه المرحلة و تسرع خطواتها, و هي قاعدة أستخدمها دائماً. فعند قرائتي لرواية معينة, دائماً أضع في بالي بأن الكتاب الذي سيأتي بعده يجب أن يكون كتاب موضوعي و ليس رواية أخرى. هذا التنويع يجعلني أتشوق للنوعية من دون ملل أو كسل في إختيار الكتاب القادم. بمعنى أخر, لا أحب أن أقرأ نوعين متشابهين من الكتب بشكل متسلسل. (رواية / كتاب موضوعي / رواية / كتاب تاريخي / رواية / كتب فلسفي و هكذا). و من خلال هذه العملية, أختار الكتاب الذي سـ يكون بين يدي.
بعد إختيار الكتاب, تأتي عملية إختيار المكان. و هذا بنظري الأهم. يجب أن يكون المكان هادئ و خالي من أي صوت. من دون إي أمور تلهيني عن القراءة. لا أحب أن أفعل أي شيء إلا التركيز الكامل على القراءة.
عادات قرائية متمسك بها منذ السنوات القرائية الأولى لي. ما هي عاداتكم؟
,
و شكراً

الخميس، 9 يناير 2014

قصة من دون كاتب, نظرية رولاند بارتس عن موت الكاتب !!

في عام 1967 , نشر الفيلسوف الفرنسي رولاند بارثس موضوعه الأدبي "موت الكاتــب" الذي يناقش فيه فكرته الخاصة بالتخلي عن الطرق الأدبية التي أتت قبله و بشكل مختصر, التخلي عن ربط حياة الكاتب بما يكتبه. بمعنى أخر, يريد بارثس أن المحور الأدبي الوحية الذي يستخدمه القارئ عندما يقرأ أي كتاب هو الكتاب نفسه و لا يضيع وقته مع الكاتب و حياته. هذه الفكرة مشهورة جداً, و بالرغم من إختلافي الكلي معها, لكنها نظرية أدبية مشهورة خصوصاً مع كتاب عصر الحداثة, أولهم الكاتب إرنست هامجواي, و صديقه الكاتب دون باسوس, الذي هو بنفسه كتب قصصه الخالدة في الأدب الأمريكي الحديث وفق نظرية الفيلسوف الفرنسي بارثس.
الفكرة بسيطة جداً, عندما تقرأ قصة عن شخصية معينة و في عصر معين, لا تفكر بالكاتب, و لا عن حياته و لا عن العصر الذي عاش فيه. كل ما عليك التفكير به عند قراءة أعمال هذا الكاتب هي القصة نفسها من دون أي تأثيرات خارجية. كيف لنا أن نقرأ قصص إرنست هامجواي من دون التفكير بتجاربه الشخصية في الحرب الأهلية الإسبانية, خصوصاً و أنه كتب عنها بشكل مكثف و دقيق. و كيف لنا أن نقرأ قصص إسطورة الأدب الفكتوري الإنجليزي, تشالز ديكينز, الذي أشتهرت أعماله و وصفها البعض بأنها الصورة الفكتورية الخالدة. من يؤيد هذه الفكرة, الفيلسوف بارثس أولهم, يبرهنون بأن القارئ يجب أن يركز على القصة وحدها و أن يضع كامل إهتمامه بالأحداث الغير حقيقية الموجودة في القصة. و بأننا يجب أن نضع عالم الرواية بزاوية مختلفة عن زاوية الكتب التاريخية. كيف لخيال الكاتب أن يرسم واقعاً صريحاً بمساعدة شخصيات وهمية. شخصيات لم تعش الواقع بكل مرارته. يعتقد هؤلاء بأن الواقع فقط يكتبه المؤرخون و ليس كتاب الرواية أو القصة.
طبعاً, رأي الشخصي يعارض هذه النظرية الأدبية بكل جوانبها. القارئ, في نظري يجب أن يتمسك بالكاتب نفسه مع بداية الرواية, يترجم أحداث حياته أثناء الرواية, و مع نهايتها يعلل النهاية التي توصل إليها الكاتب. مع بداية الرواية, سيبدأ القارئ ببناء العالم الذي وصفه الكاتب في الفصول الأولى للقصة. هذا العالم سيكون قريباً, نوعاً ما, إلى العالم الذي عاشه الكاتب. و حتى إن كان مختلفاً, فهذا العالم المختلف قد يكون عكس العالم الذي عاشه الكاتب. المهم هنا هي وجود هذه الأفكار المرتبطة التي يجب على القارئ البدأ بها. لنأخذ كتب و قصص الإسطورة تشالز ديكينز (كاتبي المفضـــل) كمثال واضح على هذه العملية الأدبية. العالم الذي يبنيه ديكينز في قصصه هو العالم الذي عاشه هو بنفسه. لندن الفكتورية هي المدينة التي عاش فيها ديكينز و عندما نقرأ قصصه, سنجد كل العوامل التي كانت تحتويها لندن في ذلك الوقت. و إذا كنا نريد أن نرى هذا العالم لكي تكون لدينا فكرة واضحة لهذا العالم, نستطيع هنا و بكل سهولة قراءة الكتب التاريخية التي تتكلم عن هذا العصر المهم في تاريخ بريطانيا. و عند وصولنا لمنتصف الرواية, نجد أن معظم الأحداث التي مرت بها شخصياته, هي نفسها الأحداث الواقعية التي مر بها هو نفسه. توجه الأطفال للعمل في المصانع, بعدها العمل في صحيفة إسبوعية, عشقه لفتاة لا تكترث له, كل هذه الأمور مرت بها شخصيات ديكنيز في معظم قصصه, وهو نفسه مر بها. و مع نهاية الرواية, نجد أنفسنا مع نهاية قد تكون هي النهاية نفسها التي عاشها ديكينز أو عكس ذلك تماماً. و هنا نستطيع أن نبرهن بأن هذه النهاية التي تختلف عن النهاية الواقعية التي مر بها الكاتب نفسه, هي النهاية التي حلم بها أو التي أرادها هو لنفسه.
كعادة الطرق الأدبية المتوفرة للقارئ, تستطيع تطبيقها و الإستمتاع بثمارها, و أيضاً تستطيع التخلي عنها كلياً. في هذه الحالة, تستطيع أنت كقارئ, قراءة قصة معينة من دون الإهتمام بالكاتب و حياته. هذه القراءة في رأيي الشخصي جداً, هي قراءة ناقصة. لهذا السبب و عند قراءة أي قصة, دائماً أقوم بقراءة النبذة المختصرة الخاصة بحياة الكاتب, أركز على العصر الذي عاش فيه و الأفكار التي طرحها. بنظري, هذه المعلومات ستساعد القارئ على فهم القصة بشكل أكبر و فهم ما كان يدور بعقل الكاتب و حتى في بعض الأحيان, معرفة ما يدور بقلبه.
و شكراً
هاشم الصغيـــر
9/1/2014

الثلاثاء، 7 يناير 2014

كل قارئ, كاتب. و كل كاتب, قارئ!

كل كاتب, قارئ. و لكن ليس كل قارئ كاتب.
مقولة لم تعجبني أبداً, لأنها و بكل بساطة غير صحيحة. على الأقل من وجهة نظري الشخصية. القراءة ليس فقط تتعلق بالكتابة بل هي المفتاح الذي يحتاجه كل قارئ و يستخدمه كل كاتب. القارئ عندما ينتهي من قراءة كتاب أو حتى رواية, ستكون المعلومات الموجودة في كتابه هذا محفوظة عند القارئ المتمكن. محفوظة و جاهزة للإستهلاك الشخصي. فالقارئ عندما يقرأ كتاب تاريخي أو حتى كتاب يتكلم عن موضوع معين, ستكون هذه المعلومات جاهزة لكي يترجمها القارئ في حياته اليومية أو حتى في وظيفته القادمة و هي الكتابة. في حالة الروايات, القارئ سيتعلم من الشخصيات المطروحة أمامه كل التجارب و العبر التي واجهتها هذه الشخصيات. و كأنها معلومات حياتية واقعية بشكل قصة خيالية أتت من خيال الكاتب. و من هنا ندرك حقيقة القراءة الفعلية, و كونها أكثر و أكبر من مجرد متعة أدبية تقضي بها وقتك. القراءة هي عبارة عن درس حياتي مهم. في الكتب التاريخية يدرك القارئ أهمية الماضي و في الروايات يتعلم القارئ أموراً تتخطى مرحلة المعلومات البسيطة و الجافة, في الرواية يتعلم القارئ لذة التاريخ و ما شعروا به السابقون. القراءة, لنقل و بشكل مختصر, نقاش تاريخي أدبي رائع ما بين الكاتب الذي بجعبته الكثير ليقدمه و بين القارئ الذي سلم قلبه قبل عقله للكاتب لكي يستلم منه الكثير.
و من هنا و بعد إدراكنا لـ أهمية القرءة و ما تستطيع فعله, هل سنستطيع الإجابة على سؤال موضوعنا الحالي؟ هل كل قارئ, كاتب؟
طبعاً و قبل الدخول في معمعة الإجابة, يجب علينا أن نوضح أمراً أشبه بالحقيقة الواضحة. الجميع يتفق على أن الكاتب هو القارئ الذي تخطى مرحلة القراءة, بمعنى أخر, كل كاتب قارئ. هذه النقطة يتفق عليها أغلب المثقفين. فالكتابة تحتاج لشخص قارئ مدرك للمراحل الأدبية التي مر بها القارئ.
و بعد توضيح هذه الحقيقة, نستطيع الأن الدخول في سؤالنا اليوم.
هل كل قارئ, كاتب؟ برأي الشخصي, نعم!
عملية التخزين التي يقوم بها القارئ بعد الإنتهاء من كل كتاب هي عبارة عن إضافة لمادة كتابية جديدة له. عندما نقرأ يأتينا ذاك الإلهام الأدبي الذي أتى للكاتب. ندرك ما عانى منه و ما توصل إليه من خلال كلماته و الجمل التي إستخدمها. و لأن القراءة عبارة عن دخول القارئ لعقل الكاتب, فهذه العملية سـ تنقح القلم الكتابي للقارئ. عندما نقرأ رواية رائعة كتبت بدقة حادة, نقوم بإضافتها لقلمنا الكتابي, ليس تقليداً لما أتى و لكننا نأخذ الوسيلة و الطريقة و لا نأخذ النتيجة. لن يكرر القارئ ما كتبه الكاتب, و لكنه سيدرك الطريقة التي وصلت الكاتب إلى ما هو عليه. نستطيع أن نسمي هذه العملية, بإستعارة العادات الكتابية. القارئ سـ يستعير عادات الكاتب و طريقته بالكتابة, ليس أسلوبه و لكن إلهامه و الطريقة الأدبية التي إستخدمها. يجب التنويه بأن هذه الإستعارة الأدبية لن تكون كاملة و واضحة. لأن القارئ سـ يستعير الجزء الذي فضله من الكاتب. و بعدها سيقوم برسم لوحته الأدبية الخاصة به, البعيدة كل البعد عن ما فعله الكاتب. لوحة ستكون شخصية للقارئ كونها فقط رسمت بالطريقة الأدبية المتعارف عليها و لكن النتيجة ستكون غير بكل تأكيد.
و لهذا و في نظري, يجب علينا قراءة الكتب و الروايات الكلاسيكية لما تحتوي من طرق أدبية رائعة ساهمت في بناء عصور أدبية رائعة. فالقارئ عندما يقرأ للكاتب الإسطورة تشالز ديكينز, سـ يفهم طريقة سرد القصة, و من خلال هذا السرد الجميل, سـ يتعلم كيف يكتب قصته الخاصة به. كما ذكرنا سابقاً, عبارة عن إستعارة للطريقة الأدبية و لكن النتيجة و القصة تختلف كل الإختلاف عن مصدرها.
مثال رائع على هذه العملية, أخذ الطرق الأدبية للكاتب الأمريكي المشهور إرنست هامجواي. الكاتب نفسه قال في أكثر من مقابلة, بأن طريقته الأدبية هي عبارة عن إختصار الجمل و وضع الكلمات الكفيلة بتصوير المشهد من دون زيادة أو نقصان. هذه الطريقة سميت بإسمه و تدرس في كل المدارس الأدبية في العالم. يجب على القارئ الأخذ بهذه الطريقة و كتابة قصته الخاصة بأحداثها المختلفة عن قصص هامجواي. فالتقليد أمر لا يغفر له من الناحية الأدبية. نحن كقراء نحتاج القصة المميزة المكتوبة بطريقة أدبية تقليدية.
طبعاً, كلامي هذا لا يعني بأنني ضد التغيير الأدبي و البحث عن الطرق الأدبية الجديدة. لا طبعاً. و لكن برأي الشخصي, أفضل طريقة لدخول القارئ عالم الكتابة هو عن طريقة سرد قصته الشخصية بإستخدام الطرق الأدبية التقليدية. كنوع من دخول العالم فقط. لأنه و بعد كتابة أكثر من كتاب أو قصة خاصة به, سيدرك قلمه الشخصي و حينها فقط يستطيع بناء طريقته الأدبية الخاصة به.
نعم, كل قارئ كاتب. ليس بالضرورة, و لكن القلم الأدبي موجود دوماً بعقل و قلب القارئ, فقط يحتاج أن يجلس و يكتب و يرى ما بداخل ذلك العقل الأدبي.
شكراً,
هاشم الصغيــــر
7/1/2014


الأحد، 22 ديسمبر 2013

الكتب التاريخية, أهميتها و حقيقة مصادرها

للكتب التاريخية تأثير جميل على القارئ. فمنها نستلم المعلومة من كل المصادر الموثوقة و أيضاً إليها نتجه إذا كنا نحتاج للنصيحة. فالتاريخ هو عبارة عن تدوين للماضي و تطبيق للحاضر كونه نتيجة الماضي, و أخيراً, معلم المستقبل لأننا نقرأ التاريخ و نستخرج منه الدروس التي نتعلم منها و نبني عليها مستقبلنا. بإختصار شديد, تأثير هذه الكتب التاريخية مهم جداً و القارئ أو المثقف يدرك أهميتها لدرجة تصل إلى ولعه بهذه الكتب. نريد و بشتى الطرق معرفة ما فعله أجدادنا و في بعض الأحيان نبحر في عوالم و حضارات الدول الأخرى. معرفة و إدراك الماضي أمر مهم للإنسان و من خلال هذه الكتب التاريخية, نجد فيها كل ما نريد.
و من هنا, و مع هذا الإداراك الشامل بأهمية الكتب التاريخية, نضع حملاً كبيراً على هذه النوعية من الكتب. فعكس الرواية التي يستطيع الكاتب كتابة ما يريد و جعل السماء خضراء كالأرض, الكتب التاريخية يجب عليها إتباع قوانين صارمة تقلل من جوانبها. الكتاب التاريخية يجب أن تدون التاريخ بكل مصداقية و من دون لفق أو تحريف. طبعاً نعلم تمام العلم بأن هذه الحقيقة لا تنطبق على كل الكتب التاريخية و لكنها المحطة الأولى التي يجب على المؤرخ زيارتها. كتابة الحقيقة أشبه بالرابط الأولي ما بين القارئ و المؤرخ. الصلة التي سـ يبني عليها القارئ مصداقية الكتاب الذي بين يديه. و لهذا نرى أغلب المؤرخين يستخدمون مصادر عديدة لتوضيح و تثبيت حقيقة بسيطة, الخوف من نقل الوهم على أنه حقيقة, أمر يمر به كتاب الكتب التاريخية بإستمرار.
لكننا و بعد دراسة هذه المصادر و الرجوع إليها, هل فكرنا و لو للحظة بصدق هذه المصادر. التاريخ نوعاً ما ثابت و الأحداث التي حدثت في الماضي نوعاً ما ثابته. هذه الأمور تعلمناها و صدقناها, و لكن هل من الممكن أن تكون هذه الحقائق المُسَلمة, وهمية و عبارة عن أداة إستخدمها الطرف الفائز لتغطية جانب لم يكن يريد أن يدونه للتاريخ. فهناك مقولة مشهورة جداً لرئيس الوزراء البريطاني السابق, وينستون تشرتشل قال بأن: "التاريخ يكتبه المنتصر". عندما نقف قليلاً و نفكر جيداً بهذه المقولة, ندرك بأن في كل الأحوال و في كل الأزمنة, التدوين الذي وصل إلينا, كتبه الطرف المنتصر في أي معركة أو فترة زمنية مهمة. بمعنى أخر, التاريخ الذي كنا نعتقد بأنه المصدر الموثوق الحقيقي للماضي, قد يكون تدوين طرف واحد للقصة. تدوين في أغلب الأوقات لن يكون محايداً بل سـ يفرض معتقدات و أفكار صاحبه. و من هنا و من بعد هذه الفكرة, أتى ما يسمى بتنقيح الأحداث التاريخية أو كما أطلق عليها المؤرخون الإنجليز
Revisionist History
و هي عبارة توضح الهدف المنشود لهذه الفكرة. تنقيح كامل و شامل للتاريخ. طبعاً لم يقوم أحد بتنقيح التاريخ كله, كون هذه العملية شبه مستحيلة. و لكن البعض أتى بأهم الأحداث التاريخية أو الأحداث التي أثارت شك البعض كونها تصب في مصحلة طرف و تصور الطرف الأخر بالضحية المهزومة.
أبسط و أسهل مثال نذكره هو التنقيح الكامل الذي أقدم عليه الكُتاب الأمريكيين لتاريخ السكان الأصليين للقارة الأمريكية الشمالية. فمع بداية هذه المرحلة المهمة جداً في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية, نرى العديد من المؤرخين في بداية قيام هذه الولايات, يكتبون الأحداث بكل تمييز و عدم حيادية. السكان الأصليين كانوا يقتلون بالملايين و كل ما كان يكًتب عنهم كان عن وحشيتهم و عدم حضارتهم بالرغم من معرفة الجميع بأن هذه القبائل التي كانت تسكن هناك منذ فترة طويلة كان لديهم حضارة طويلة و قوية جداً. و لكن الكتب التاريخية في ذاك الوقت المبكر للولايات المتحدة الأمريكية, كانت تصورهم على أنهم وحوش لا يمكن أن يتحضروا أو ان ينهضوا بأنفسهم. كل هذا تغير عندما قرر العديد من الكُتاب الأمريكان تعديل التاريخ و البحث عن الحقيقة السليمة التي تبين و بشكل واضح و مفصل حياة السكان الأصليين بكل حيادية و من دون التطرق للأفكار الخيالية التي كان يعتقدها البعض عنهم.
البحث عن الحقيقة أمر صعب جداً خصوصاً و بعد أن تدرك حقيقة وجود التاريخ المنقح. هل كل ما نقرأ عنه فعلاً حدث, أو هو عبارة عن الصورة الوهمية التي أراد بها المنتصر أن يعطيك إياها لكي يغطي أموراً عديدة لا يريدك أن تعرفها. الحل بنظري, يكمن بقراءة كتب الأطراف المشاركة كلها. و من خلال هذه العملية نستطيع و لو بدرجة بسيطة معرفة ما حدث و ما قاله كل طرف عن الحدث نفسه. و من هنا تبدأ عملية المقارنة بين كل هذه الأقوال و محاولتنا الأبدية لفهم السبب وراء هذه الأحداث لكي نصل للدرس الحقيقي الذي سـ نتعلمه من الماضي.
و شكراً,
هاشم الصغيــــــر
22/12/2013
 

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

من الروايات الخالدة: Great Expectations للكاتب تشالز ديكينز

من الروايات المعروفة التي يجب على طالب الأدب أن يبدأ بها هي هذه الرواية الخالدة للكاتب بل الإسطورة الإنجليزية, تشالز ديكينز. هي رواية ليست فقط مشهورة لأن كاتبها مشهور بل هي مادة تدرس بحد ذاتها كونها تحتوي على العديد من جوانب الأدب الفكتوري الرفيع. و لهذا فهي كانت من أوائل الكتب التي قرأتها في حياتي. بالرغم من كونها من أول الكتب التي بدأت من خلالها رحلتي مع الأدب الإنجليزي لكنني لم أقرأ الكتاب مرة واحدة فقط! بل قرأت هذه الرواية عدة مرات و في كل مرة أرى الإبداع الحقيقي لديكينز واضحاً وضوح الشمس.

ما يجعل هذه الرواية خالدة هي أنها في بداية الأمر رواية تخلد عصراً إنجليزياً مهماً. و هو العصر الفكتوري الإنجليزي. و يعرف هذا العصر على أنه العصر الذي أهتم الإنجليز به بالكتاب و بالقراءة. فقد كانت هناك جهوداً كبيرة من قبل الملكة نفسها, الملكة فكتوريا, و الحكومة البريطانية في توسيع مدى القراءة العامة لدى الناس. خصوصاً و مع سهولة طبع و نشر الكتب في ذاك الوقت, خصوصاً بعد الثورة الصناعية أنذاك, أصبحت القراءة من أساسيات الحياة (ياليتها كذلك الأن في مجتمعنا العربي). و لهذا فـ في العصر الفكتوري زاد عدد القراء و مع هذه الزيارة العامة, زاد إبداع الكتاب. لأن من صفات الأدب في ذاك الوقت, هي أن الكتابة كانت وظيفة محترمة و يدفع الكاتب حسب الكلمة. لكل كلمة نصف جنيه مثلاً (و لهذا نرى معظم روايات الأدب الفكتوري ضخمة).

و من أفخر و أفضل منتجات العصر الفكتوري كان أدب و روايات الكاتب تشالز ديكينز الذي وجد طريقة مثالية في إضحاك جمهوره و إبكائهم في نفس الوقت و في نفس الرواية. قرائه أحبوه و تابعون بشكل أسبوعي, خصوصاً و أن رواياته كانت تنشر كـ أجزاء أسبوعية في الجرائد. فكانت متابعة الناس لكتب و روايات ديكينز أشبه بمتابعة النجوم الأن. حيث أن نجوم العصر الفكتوري كانوا الكتاب.

Great Expectations
هي رواية يعتبرها الكثيرون أفضل ما كتبه ديكينز كونها رواية جسدت إبداع الكاتب و أيضاً صورت الحقبة الزمنية التي عاشها ديكينز بـ إحكام. و أنا شخصياً أتفق مع هذه الأمور التي طرحها العديد من الكتاب بعده عندما تكلموا عن هذه الرواية و عن ديكينز بشكل عام.

بشكل مختصر, ديكينز طرح في هذه الرواية عدة أمور و مواضيع كانت و ما زالت تهم الشارع الإنجليزي البريطاني. من هذه الأمور كانت عمل الأطفال. فـ من الجوانب السلبية للعصر الفكتوري كان عمل الأطفال لساعات طويلة في اليوم. منهم من كان يعمل لكي يسدد دين أبيه و منهم كان يعمل ليصرف على أهله و غيرها من الأسباب التي دفعت الأطفال للعمل في سن مبكر. و في هذه الرواية ديكينز كتب شخصيته الرئيسية, بيب, بهذه الطريقة و تناول هذه المشكلة من خلال هذه الشخصية التي عملت بشكل مبكر في القصة.

و من الأمور أيضاً هي العلاقة ما بين إنجلترا في ذاك الوقت و الدولة الأمريكية الجديدة. حيث احدى شخصيات القصة الرئيسية يذهب إلى أمريكا أو العالم الجديد و يرجع إلى إنجلترا و معه الكثير من المال. و قد كانت هذه الأمور شائعة  في ذلك الوقت.

هذه الأمور و غيرها من الجوانب العامة التي تناولها ديكينز في روايته هذه جعلت من الرواية مصدراً تاريخياً جميلاً. طبعاً بالإضافة إلى أحداث الرواية الرائعة و التي تشد إنتباهك مع كل فصل. ديكينز يجيد دمج الأمور المختلفة و توظيفها لكي تخدم قصته الكبيرة بشكل مباشر و في بعض الأحيان بشكل غير مباشر.

رواية رائعة جداً .. أنصح الجميع بقراءة هذه الرواية التي قد تكون بدايتك في عالم الأدب الإنجليزي, و يا لها من بداية.

الأحد، 9 سبتمبر 2012

لماذا نكتب؟


لماذا؟ هل نكتب لكي نثبت وجودنا؟ لكي نبين للعالم بأن قلمنا موجود؟ هل الوجودية هي السبب الوحيد لكتابتنا؟ لأننا نكتب و نكتب و مع ذلك عدد القراء في مجتمعنا يقل! فـ لماذا نكتب إذا؟ إذا كان البعض بل الأغلب في مجتمعنا يرى الكتاب كالمرأة العجوز التي لا يريد الاقتراب منها لأنه إذا اقترب سـ تدمره و تجعله منبوذاً في ما يره هو بالمجتمع الفاضل. مجتمعه فاضل بالرغم من كون القراءة عقدة. نعم ليس كل من في مجتمعنا يراه كعقدة يجب على البشر تركها, لكن الأغلب يراه كذلك, الأغلب لا يقرأ, و الأغلب ترك الكتاب. فلماذا نكتب؟ ليس هناك جمهور, و ليس هناك أحد سـ يقرأ ما سـ تكتبه عزيزي الكاتب, فـ لماذا تكتب إذا؟

سؤال مهم جداً. سـ يفكر فيه الكاتب العربي الذي يعيش في هذا المجتمع البارد (أدبياً) و لكنه في نفس الوقت سـ يأتي بالجواب الوافي. الجواب الذي سـ يجعله يكتب و يكتب و يكتب. يجعله كاتباً سعيداً حتى و أن كتب قصص مروعة أو تعيسة. لأن القصة ليست بالقصة إذا لم تُكتب! و لهذا فـ جوابه سـ يكون بالجواب الكافي لكي يجعله يستمر بالكتابة.

و الجواب و بكل بساطة أعزائي الكرام, هو القلب. قلب الكاتب لا قلمه هو من يكتب. يستخرج كل ما لديه من مشاعر و أفكار لكي يترجمها و يضعها في صيغة موضوع أو رواية أو كتاب. القلب هو الأمر الناهي الذي يأمر القلم و يجعله يقوم بما يريد. و حتى العقل ليس له أي قرار في ذلك, ما عدى تصحيح الأخطاء الأملائية التي تأكدت بعد مسيرة طويلة في الكتابة أنها سـ تكون موجودة في كل موضوع أكتبه, حتى لو أصحح ما أكتب مليون مرة. و لهذا فـ القلب هو ملك القلم و العقل. و من القلب نستخرج كل شيء. و كل ما تراه في كتاب الكاتب ما هو إلا جزء من ما يشعره به الكاتب و ما شعر به في وقت معين و ما يريد الوصول إليه. حتى في بعض الأحيان الكاتب يكتب عن إحساسه الذي يريد أن يشعر به بالرغم من عدم وصوله إلى ذلك المكان أو ذلك الإحساس الأن. لكننا نريد أن نعشق أو نريد أن نشعر و لهذا نكتب عن ما نريده و ما نعمل من أجله.

القلب أولاً و أخيراً هو سبب الكتابة. نعم لدينا تجارب و قصص نريد سردها, لكن هذه القصص و التجارب ليس لها أي قيمة إذا لم تخرج من القلب نفسه, من المصدر الرئيسي لـ إحساس الشاعر أو الكاتب. و من هذا المصدر نروي لكم أعزائي الكرام قصصنا و تجاربنا. و قد نترجم لكم هذه الأمور التي حدثت لنا من خلال كلمات قد تكون بسيطة و في بعض الأحيان غريبة. لكن لها معنى عميق و جميل يجعل الكاتب فخوراً جداً عندما يرى له كتاباً منشوراً أو شعراً يشاد به. و لكن هذا الشعور بالفخر ليس مهماً في أغلب الأحيان, لأننا نسعد بالكتابة نفسها و في إستخراج ما في قلبنا من مشاعر و تجارب و قصص و كل شيء أخر. و ليس للمدح أو التشهير. الكتابة نفسها هي المتعة الحقيقية لأنها المصدر الرئيسي و الألة الوحيدة التي نستطيع توظيف القلب من خلالها و عن طريق الكلمات التي يختارها هذا القلب, نكتب! و لهذا السبب نكتب! و سـ بهذا السبب, سـ نستمر بالكتابة حتى و إن لم يكن هناك جمهوراً يقرأ, لأن هناك قلب ينبض!

الأحد، 19 أغسطس 2012

كوبلا كان, قصيدة كتبت تحت تأثير المخدر! من روائع كولدرج



Kubla Khan
In Xanadu did Kubla Khan
A stately pleasure-dome decree:
Where Alph, the sacred river, ran
Through caverns measureless to man
Down to a sunless sea.

So twice five miles of fertile ground
With walls and towers were girdled round:
And there were gardens bright with sinuous rills,
Where blossomed many an incense-bearing tree;
And here were forests ancient as the hills,
Enfolding sunny spots of greenery.

But oh! that deep romantic chasm which slanted
Down the green hill athwart a cedarn cover!
A savage place! as holy and enchanted
As e'er beneath a waning moon was haunted
By woman wailing for her demon-lover!
And from this chasm, with ceaseless turmoil seething,
As if this earth in fast thick pants were breathing,
A mighty fountain momently was forced:
Amid whose swift half-intermitted burst
Huge fragments vaulted like rebounding hail,
Or chaffy grain beneath the thresher's flail:
And 'mid these dancing rocks at once and ever
It flung up momently the sacred river.
Five miles meandering with a mazy motion
Through wood and dale the sacred river ran,
Then reached the caverns measureless to man,
And sank in tumult to a lifeless ocean:
And 'mid this tumult Kubla heard from far
Ancestral voices prophesying war!

The shadow of the dome of pleasure
Floated midway on the waves;
Where was heard the mingled measure
From the fountain and the caves.
It was a miracle of rare device,
A sunny pleasure-dome with caves of ice!

A damsel with a dulcimer
In a vision once I saw:
It was an Abyssinian maid,
And on her dulcimer she played,
Singing of Mount Abora.
Could I revive within me
Her symphony and song,
To such a deep delight 'twould win me
That with music loud and long
I would build that dome in air,
That sunny dome! those caves of ice!
And all who heard should see them there,
And all should cry, Beware! Beware!
His flashing eyes, his floating hair!
Weave a circle round him thrice,
And close your eyes with holy dread,
For he on honey-dew hath fed
And drunk the milk of Paradise.


كل الأمر أشبه بالحلم, و قد صرح بذلك كثيراُ. قال بأن الأمر كله حلم و يجب أن يُقرأ على أنه حلم. هذا هو حال موضوعنا اليوم و قصيدتنا الحالية. قصيدة رائعة جداً من عبق عصر الرومانسية الأدبي الذي نبحر فيه مرة أخرى. فـ موضوعنا السابق كان لقائنا مع الشاعر الموهوب بل الإسطورة وليام وردورث و اليوم موضوعنا مع زميله و رفيق دربه, الشاعر سامويل تايلور كولدرج. هذا الشاعر الموهوب الذي أعطى للعالم الأدبي الكثير بالرغم من مشاكله الكثيرة خصوصاً إدمانه على المخدر المشهور أنذاك (الأوبيوم) و غيرها من المشاكل التي عانى منها كاتبنا المبدع. الكثير في عصره اعتبره مجنوناً و لكني لا أعتقد أن هذا الأمر سلبي, خصوصاً و أن أغلب عباقرة العصور, شعوبهم اعتبروهم مجانين. فالمجنون هو من يخرج عن المألوف, و هذا ما فعله كولدرج مع شعره. جرب نوعاً جديداً, بل دخل في بيئة جديدة أشتهر بها و أنتج من خلالها أفضل قصائده, قصيدة كوبلا كان!

لن أدخل في سرد المعلومات الأساسية فهناك العديد من المواقع التعريفية التي تقوم بذلك, منها صفحة الشاعر على موقع الويكبيديا. و لكني سـ أقوم بـ تقديم رأي الشخصي بخصوص الشاعر نفسه و أيضاً بخصوص قصيدته المشهورة التي أعتبرها قصيدة أخرى تمثل العصر الرومانسي بعد قصيدة وردورث التي تكلمت عنها في موضوعي السابق.

يجب علينا عند الدخول في عالم هذه القصيدة أن نعلم حقيقة البيئة التي عاشها الشاعر وقتها. فـ كولدرج نفسه قال بأنه كتب هذه القصيدة بعدما حلم بها و بمواصفاتها في حلم غريب غير مكتمل. بالإضافة إلى رحيل معشوقته التي كان يحبها لفترة طويلة و مع كل هذا و ذاك, صرح شاعرنا بأنه كان و مازال يعاني من الإكتئاب الشديد. كل هذه الأمور يجب أن نراعيها و ندخلها في عالم هذه القصيدة الغريبة التي تبدأ بـ قلعة خيالية و تنتهي بـ سرد مجازي لعلاقته مع معشوقته التي يتمنى أن ترجع بالرغم من كون علاقتهم سلبية بعض الشيء.

ما يميز القصيدة في نظري هو أمرين, الأول بروز عامل الخيال في القصيدة و هو ما يتمحور عليه و به العصر الرومانسي الأوروبي, و الثاني هو إستخدام كولدرج للطبيعة بشتى أنواعها في توضيح إحساسه و ما يشعر به. فـ مع الخيال, يتمير العصر الرومانسي بشدة تعلق الشعراء بالطبيعة و هذا واضح جداً في بعض المواصفات و الأمور التي إستخدمها كولدرج.

طبعاً و كـ حال الأحلام, تكون دائماً غريبة و مشوشة و هذا ما توجه به و أراده كولدرج من خلال الغرابة الشديدة التي بانت عليها القصيدة و خصوصاً في التنقل ما بين المشاعر و الكلمات. و هذا في رأي أيضاً ما جعل القصيدة رائعة. فالقصيدة كتبت كـ حلم و تحت تأثير الأوبيوم و ظهرت كذلك بالضبط. و كأننا إذا أردنا أن ندخل في عالم كولدرج  و أن ندخل عقله المجنون, سـ نخرج بهذه القصيدة الغريبة الرائعة.

كاتب رائع و هو الكاتب الثاني الذي تعمقت في أعماله, و لكن قصيدته هذه هي الأفضل و هي كانت من ضمن أفضل ثلاثة أعمال أخترتها في بحثي الأكاديمي. لأنها و كـ معظم أعمال الشاعر وليام وردورث, تحمل كل عوامل الأدب الرومانسي. فـ كولدرج و وردورث كانا أكثر من زملاء, فهناك العديد من الأعمال المشتركة بينهم و لهذا نرى الأهداف الأدبية المتشابهة بينهم الموجودة في أعمالهم.




الأحد، 5 أغسطس 2012

مبدع الحركة الرومانسية الأوروبية: الشاعر وليام وردورث


























لم تكن علاقتي مع الشعر علاقة طيبة أو إيجابية. فقد كنت أكره الشعر العربي كثيراً و لم أحفظ منه إلا ما كان مطلوب مني حفظه في المرحلة الثانوية. لم يكن الشعر العربي يحرك إي من مشاعري أو أي عنصر موجود بداخلي. بل كنت أراه شعراً عادياً ليس له أي طعم أو لون. و لكن بعد دخولي لعالم الأدب و رؤية العمق الكامل لهذا الشعر, نال إعجابي. و من هنا بدأت رحلتي الحقيقية و بدايتي الواقعية مع الشعر العربي. لكنها كانت رحلة قصيرة جداً كوني تخليت عنها بسرعة من أجل نوع أخر من الشعر و عالم أدبي أخر, و هو الشعر الإنجليزي, و بالأخص, شعر عصرالرومانسية الأوروبي. و من هنا يجب أن أنوه, بأن عصر الرومانسية الأوروبي صحيح يسمى بالعصر الرومانسي لكنه بعيد كل البعد عن معنى العام للرومانسية و هو العشق الإنساني ما بين إثنين. بل أدب العصر الرومانسي الأوروبي كان و مازال هو أدب يروي و يصور جمال الكون و الطبيعية. فقد ركز شعراء و أدباء هذا العصر بالطبيعة و ربط كل المشاعر الجميلة الإنسانية بـ جمالية الكون و الطبيعة. فـ كان لكل عنصر من عناصر الطبيعية رمز جمالي معين اتخذه الشعراء كـ مصدر رئيسي لشعرهم. و نحن كـ قراء لهذا العصر يجب علينا أن نربط عشقنا المجنون بـ هذا النوع من الشعر الجميل لأنه يلخص كل المعاني و المشاعر المجنونة التي يشعر بها و يتمسك بها العاشق اليوم.

و من أهم شعراء عصر الرومانسية الأوروبي, هو الشاعر البريطاني المبدع, وليام وردورث. و هو الشاعر المفضل لدي حيث أنه قلمه في نظري الأهم و الأجمل في هذا العصر. بل شعره يلخص كل عوامل عصره المختلفة. و من موضوعي هذا, سـ أشارككم عشقي لهذا الكاتب و لشعره الجميل. أخترت لكم قصيدتين رائعتين له. قصيدتين يعتقد الأدباء بأن وردورث كتبهم من أجل عشيقته, لكنه كتبهما بلغة و بموضوع مختلف لكي يغطي على هذا العشق بـ نوع أخر من الحب و الجنون. طبعاً سـ أضع لكم القصيدة بـ لغتها الأساسية, لأن جمالية الشعر تكون في لغتها الأساسية و عندما تترجمه, يفقد الشعر إبداعه و رونقه.


القصيدة الأولى هي القصيدة المفضلة لدي, بل هي أفضل و أجمل قصيدته للعصر الرومانسي في رأيي الشخصي

 (تعليقي الشخصي سـ يكون بعد كل فقرة أو أكثر) :

We Are Seven:

A simple Child,

That lightly draws its breath,
And feels its life in every limb,
What should it know of death?

I met a little cottage Girl:

She was eight years old, she said;
Her hair was thick with many a curl
That clustered round her head.

She had a rustic, woodland air,

And she was wildly clad:
Her eyes were fair, and very fair;
-- Her beauty made me glad.


يبدأ الشاعر هنا بسرد البيئة العامة التي سـ تقوم عليها القصيدة. بيئة تحتوي على شخصيتين رئيسيتين. الأولى هي شخصية المتكلم و هو شخص كبير في السن متمسك بمبدأ الواقعية الرسمية التي قام عليها عصر النهضة الأوروبي. و الشخصية الثانية هي تلك الفتاة الصغيرة التي تمثل خيال الكاتب و خيال عصرنا الجديد و هو عصر الرومانسية و الخيال.
و هذه الفقرات الثلاث الأولي هي كـ بداية حقيقية للموضوع الرئيسي للكاتب .. و هو تقبل فكرة الخيال و وجوده البسيط في عقولنا. فالموت موجود و لكل منا تجربته الخاصة مع الموت و لكن لـ أي درجة سـ نتقبل هذا العدو الواقعي. من منا لم يفقد حبيباً .. و هنا 
سـ نرى كيف يتقبل عنصر الخيال هذا الفقدان و في المقابل كيف سـ يتقبل عنصر الواقعية الوجدانية نفس الشيء.

Sisters and brothers, little Maid,
How many may you be?
How many? Seven in all, she said,
And wondering looked at me.

هنا السؤال المهم التي تدور حوله قصيدتنا, من فقدتِ يا فتاة؟ و كم هم أحبابك و أهلك الباقون؟ و الجواب سـ يكون جواب يمثل العصر بكامله و بأدب العصر أيضاً .. جواب سـ تتمسك به شخصيتنا التي تمثل عنصر الخيال و الجمال الرومانسي, هذه الفتاة التي 
فقدت بعض من أخوانها و خواتها, سـ ترد على هذا الرجل بكل عفوية, جواب مليئ بالخيال الرومانسي الجميل.

And where are they? I pray you tell.
She answered, Seven are we;
And two of us at Conway dwell,
And two are gone to sea.

Two of us in the church-yard lie,

My sister and my brother;
And, in the church-yard cottage, I
Dwell near them with my mother.

هم سبعة, في القلب دوماً حتى و أن كانوا في الواقع غير ذلك, هذا الجواب الجميل مصدره الخيال و القلب العاشق. ذكر هذه الفتاة 
لعدد أهلها سـ يكون العنصر المحير لـ هذا الرجل الذي يتمسك بكل ما لديه بمدأ واقعية الحياة و عجرفتها. و لكن الحياة ليست كلها واقعية بل يحتاج الإنسان لسرد عوامل الخيال و القلب في بعض الأحيان. و هنا يبين الشاعر هذه العوامل بجمالية رائعة.

You say that two at Conway dwell,

And two are gone to sea,
Yet ye are seven! -- I pray you tell,
Sweet Maid, how this may be.

Then did the little Maid reply,

Seven boys and girls are we;
Two of us in the church-yard lie,
Beneath the church-yard tree.

You run about, my little Maid,

Your limbs they are alive;
If two are in the church-yard laid,
Then ye are only five.

Their graves are green, they may be seen,
The little Maid replied,
"Twelve steps or more from my mother's door,
And they are side by side.

"My stockings there I often knit,

My kerchief there I hem;
And there upon the ground I sit,
And sing a song to them.

"And often after sunset, Sir,

When it is light and fair,
I take my little porringer,
And eat my supper there.

"The first that died was sister Jane;

In bed she moaning lay,
Till God released her of her pain;
And then she went away.

"So in the churchyard she was laid;

And, when the grass was dry,
Together round her grave we played,
My brother John and I.

And when the ground was white with snow,

And I could run and slide,
My brother John was forced to go,
And he lies by her side.

How many are you then, said I,

If they two are in heaven?

Quick was the little Maid's reply,

O Master! we are seven.

But they are dead; those two are dead!

Their spirits are in heaven!

'Twas throwing words away; for still
The little Maid would have her will,
And said, Nay, we are seven!


ينهي شاعرنا شعره الرائع بتمسك الفتاة بجوابها و محاولتها الجاهدة شرح جوابها الخيالي لهذا الرجل الكبير في السن الذي عاش حياته و عاش تجربتها القاسية. جوابها لم يكن واقعياً و لم يصدقه هذا الرجل كون أن هذا الرجل تمسك طوال حياته بالأجوبة الواقعية و لم يعيش خيالها الجميل. لم يعيش الحب و لم يختبر جوانب العشق المختلفة. و من ما يريده الكاتب من هذا الرجل و منا جميعاً كـ قراء, بأن نتخلى عن واقعية الحياة التعيسة لفترة معينة لكي نختبر جواب هذه الفتاة و لكي نعيش معها أجمل اللحظات برفقة أخوانها و خواتها, حتى ولو كانوا ميتين. هذا الشعور الخيالي هو العنصر الرئيسي للعصر الرومانسي و للحركة الرومانسية الأبدية كـ كل.  شعر يحث على التمسك الكبير بالخيال و محاول عيش كل لحظة و كأن الحبيب الضائع أو الراحل موجود بيننا في قلبنا قبل عقلنا. و هذا ما يحتاجه كل حبيب فقد حبيبه, أن يذكر كل الأمور الجميلة التي شاركها معه في قلبه دوماً, يتذكرها في كل لحظة حتى و أن رحل هذا الحبيب عنه. فالذكريات أهم و أقوى من وجوده الفعلي الواقعي. خيالنا هو الأهم و له 
التأثير الأقوى علينا.

Simon Lee:

كان لـ الشاعر وليام وردورث صورة واضحة للعاشق أو من لديه من الخبرة العشقية الكثير. كان دائماً يشرح صوره الغرامية بهذا الرجل الخيالي, سايمون لي. هذا الرجل الذي ذكره في الكثير من قصائده و في العديد من كتاباته الموضوعية هو بطل قصيدته هذه التي تحمل إسمه. هذا ما أراد أن يكون في مستقبله و هذه الصورة التي تصورها عن نفسه و عن شعره دائماً, موجودة في هذه القصيدة الرائعة التي تصور ماضي الشاعر نفسه و ماضي كل محب, و أيضاً تعطي لنا صورة خيالية لمستقبله الذي كان يريده وليام لنفسه و لكل من إبتسم و عمل جاهداً في حياته. قصيدة رائعة عن شخص تخيله الشاعر بل و في العديد من المناسبات صرح بأن هناك فعلاً شخص بنفس مواصفات سايمون لي لكنه لم يفصح أبداً عنه. بإختصار, هذه الشخصية التي كتب عنها وليام هي الشخصية التي يريد بها أن تكون شخصية العاشق المتعذب بعشقه البعيد.

In the sweet shire of Cardigan,
Not far from pleasant Ivor-hall,
An old Man dwells, a little man,—
'Tis said he once was tall.
For five-and-thirty years he lived
A running huntsman merry;
And still the centre of his cheek
Is red as a ripe cherry.

No man like him the horn could sound,
And hill and valley rang with glee
When Echo bandied, round and round
The halloo of Simon Lee.
In those proud days, he little cared
For husbandry or tillage;
To blither tasks did Simon rouse
The sleepers of the village.

He all the country could outrun,
Could leave both man and horse behind;
And often, ere the chase was done,
He reeled, and was stone-blind.
And still there's something in the world
At which his heart rejoices;
For when the chiming hounds are out,
He dearly loves their voices!

But, oh the heavy change!—bereft
Of health, strength, friends, and kindred, see!
Old Simon to the world is left
In liveried poverty.
His Master's dead—and no one now
Dwells in the Hall of Ivor;
Men, dogs, and horses, all are dead;
He is the sole survivor.

And he is lean and he is sick;
His body, dwindled and awry,
Rests upon ankles swoln and thick;
His legs are thin and dry.
One prop he has, and only one,
His wife, an aged woman,
Lives with him, near the waterfall,
Upon the village Common.

Beside their moss-grown hut of clay,
Not twenty paces from the door,
A scrap of land they have, but they
Are poorest of the poor.
This scrap of land he from the heath
Enclosed when he was stronger;
But what to them avails the land
Which he can till no longer?

Oft, working by her Husband's side,
Ruth does what Simon cannot do;
For she, with scanty cause for pride,
Is stouter of the two.
And, though you with your utmost skill
From labour could not wean them,
'Tis little, very little—all
That they can do between them.

Few months of life has he in store
As he to you will tell,
For still, the more he works, the more
Do his weak ankles swell.
My gentle Reader, I perceive,
How patiently you've waited,
And now I fear that you expect
Some tale will be related.

O Reader! had you in your mind
Such stores as silent thought can bring,
O gentle Reader! you would find
A tale in every thing.
What more I have to say is short,
And you must kindly take it:
It is no tale; but, should you think,
Perhaps a tale you'll make it.

One summer-day I chanced to see
This old Man doing all he could
To unearth the root of an old tree,
A stump of rotten wood.
The mattock tottered in his hand;
So vain was his endeavour,
That at the root of the old tree
He might have worked for ever.

"You're overtasked, good Simon Lee,
Give me your tool," to him I said;
And at the word right gladly he
Received my proffered aid.
I struck, and with a single blow
The tangled root I severed,
At which the poor old Man so long
And vainly had endeavoured.

The tears into his eyes were brought,
And thanks and praises seemed to run
So fast out of his heart, I thought
They never would have done.
—I've heard of hearts unkind, kind deeds
With coldness still returning;
Alas! the gratitude of men
Hath oftener left me mourning.

صورة واضحة رسمها شاعرنا عن هذا الشخص المسكين الذي كان يبتسم و يعمل جاهداً, بل و قضى حياته كلها من أجل عمله و من أجل الناس. كان يبتسم كل ما أستطاع أن يبتسم لكنه في نهاية الأمر ظل وحيداً منبوذاً في بعض الأحيان, كان له من المال القليل و الحظ التعيس. هذه الصورة التعيسة هي ما كان يريد شاعرنا إيصاله عن العاشق المحروم و التعيس بعشقه البعيد كل البعد عن حياته. فـ بالرغم من أن سايمون لي كان له زوجة جيده, لكن هذا لم يمنع تعاسته و تجربته الغرامية بأن تكون تعيسه.
يعتقد الكثيرون بأن شخصية سايمون لي كتبها الشاعر كـ نوع السيرة الذاتية الخيالية له, كصورة واقعية لما كان يعتقد الشاعر نفسه و كيف يرى نفسه و ماضيه و حتى مستقبله.
قصيدة أكثر من رائعة فيها من الشفقة الكثير و تلخص النظرة الخيالية و المبالغ فيها في سرد أمور حياتنا, كل هذه الأمور و أكثر كانت تدور في بال كل من عاش هذا العصر و هذه الحركة الأدبية الرومانسية. إستخدام الخيال في سرد الأمور و التصور الطبيعي للحياة و لـ للمشاعر الإنسانية هي قواعد الحركة الرومانسية التي أبدع فيها وليام وردورث. و من هنا من يرى جمال الطبيعة و يستطيع أن يربط هذا الجمال مع تجربته الغرامية الخاصة, فقد نجح في ما يراه وليام وردورث بالتجربة الشعرية الناجحة. وليام كان يريدنا أن نترك واقعيتنا بعيداً و أن نتمسك بالخيال الجميع و بجمالية الطبيعة, لكي نعكس خيال حياتنا على هذه الأمور الجميلة 
و نحيى بحياة أفضل و أجمل.


هذه القصيدتين هما الأفضل في نظري, و لكن هناك قصائد أخرى قد تنال إعجابكم, منها:
Lines Written in Early Spring
The Tables Turned
The Thorn
و لقراءة نظرة الشاعر وليام وردورث للشعر و للشاعر و تعريفه الخاص بهما, عليكم بقراءة
Preface to Lyrical Ballads
التي يصرح بها وليام عن إحساسه الحقيقي للشعر و يذكر فيها دور الشعر و الشاعر في المجتمع. هي عبارة عن موضوع رائع تستطيع أن ترى كيف يفكر فيها شاعرنا المبدع و كيف يربط شعره بفكره الخاص.


لكل منا شاعره المفضل, الذي يقرأ له كل شيء. هذا هو شاعري المفضل! و على فكرة, لا أستطيع أن أكتب أي موضوع جامعي عن هذا الكاتب بسبب كتابتي للكثير من المواضيع الجامعية عنه, منعتني دكتورتي من كتابة المزيد لأنني فقط أركز عليه و على شعره. قالت لي جملة لن أنساها أبداً, قالت لي: ذكرت لنا في مواضيعك كل ما في جعبة وليام, أتركه لقلبك و ركز على الأخرين!
و هذا ما سـ أفعله دوماً فـ شعر هذا الكاتب موجود ليس فقط في قلبي بل حتى في عقلي لأنه الأفضل و المفضل لدي. أتمنى أن تدخلوا عالمه الجميل لكي تنالوا فرصة قراءة أجمل ما أخرجه العصر الرومانسي الأوروبي.
و إذا دخلت عالم وليام وردورث و عشقته, فعليك بقراءة زميله سامويل كولدرج, الذي سـ يكون محور موضوعي القادم بإذن الله تعالى.